معلقة لبيد بن ربيعة العامري
1
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا
بِمِنَىً تَأَبَّـدَ غَوْلُهَا فَرِجَامُهَـا
2
فَمَدَافِعُ الرَّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُهَـا
خَلَقَاً كَمَا ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُهَا
3
دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِهَا
حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلالُهَا وَحَرَامُهَا
4
رُزِقَتْ مَرَابِيْعَ النُّجُومِ وَصَابَهَا
وَدْقُ الرَّوَاعِدِ جَوْدُهَا فَرِهَامُهَا
5
مِنْ كُلِّ سَارِيَةٍ وَغَادٍ مُدْجِنٍ
وَعَشِيَّةٍ مُتَجَـاوِبٍ إِرْزَامُهَا
6
فَعَلا فُرُوعُ الأَيْهُقَانِ وأَطْفَلَتْ
بِالجَلْهَتَيْـنِ ظِبَاؤُهَا وَنَعَامُهَـا
7
وَالعِيْـنُ سَاكِنَةٌ عَلَى أَطْلائِهَا
عُوذَاً تَأَجَّلُ بِالفَضَـاءِ بِهَامُهَا
8
وَجَلا السُّيُولُ عَنْ الطُّلُولِ كَأَنَّهَا
زُبُرٌ تُجِدُّ مُتُونَهَا أَقْلامُـهَا
9
أَوْ رَجْعُ وَاشِمَةٍ أُسِفَّ نَؤُورُهَا
كِفَفَاً تَعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ وِشَامُهَا
10
فَوَقَفْتُ أَسْأَلُهَا وَكَيْفَ سُؤَالُنَا
صُمَّاً خَوَالِدَ مَا يَبِيْنُ كَلامُهَا
11
عَرِيَتْ وَكَانَ بِهَا الجَمِيْعُ فَأَبْكَرُوا
مِنْهَا وَغُودِرَ نُؤْيُهَا وَثُمَامُهَا
12
شَاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيِّ حِينَ تَحَمَّلُوا
فَتَكَنَّسُوا قُطُنَاً تَصِرُّ خِيَامُهَا
13
مِنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ
زَوْجٌ عَلَيْـهِ كِلَّـةٌ وَقِرَامُـهَا
14
زُجَلاً كَأَنَّ نِعَاجَ تُوْضِحَ فَوْقَهَا
وَظِبَاءَ وَجْرَةَ عُطَّفَـاً أرْآمُهَا
15
حُفِزَتْ وَزَايَلَهَا السَّرَابُ كَأَنَّهَا
أَجْزَاعُ بِيشَةَ أَثْلُهَا وَرِضَامُهَا
16
بَلْ مَا تَذَكَّرُ مِنْ نَوَارَ وقَدْ نَأَتْ
وتَقَطَّعَتْ أَسْبَابُهَا وَرِمَامُـهَا
17
مُرِّيَةٌ حَلَّتْ بِفَيْدَ وَجَـاوَرَتْ
أَهْلَ الحِجَازِ فَأَيْنَ مِنْكَ مَرَامُهَا
18
بِمَشَارِقِ الجَبَلَيْنِ أَوْ بِمُحَجَّرٍ
فَتَضَمَّنَتْهَا فَـرْدَةٌ فَرُخَامُـهَا
19
فَصُوائِقٌ إِنْ أَيْمَنَتْ فَمَظِنَّـةٌ
فِيْهَا وِحَافُ القَهْرِ أَوْ طِلْخَامُهَا
20
فَاقْطَعْ لُبَانَةَ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ
وَلَشَرُّ وَاصِلِ خُلَّـةٍ صَرَّامُهَا
21
وَاحْبُ المُجَامِلَ بِالجَزِيلِ وَصَرْمُهُ
بَاقٍ إِذَا ظَلَعَتْ وَزَاغَ قِوَامُهَا
22
بِطَلِيحِ أَسْفَـارٍ تَرَكْنَ بَقِيَّـةً
مِنْهَا فَأَحْنَقَ صُلْبُهَا وسَنَامُهَا
23
فَإِذَا تَغَالَى لَحْمُهَا وَتَحَسَّرَتْ
وَتَقَطَّعَتْ بَعْدَ الكَلالِ خِدَامُهَا
24
فَلَهَا هِبَابٌ فِي الزِّمَامِ كَأَنَّهَا
صَهْبَاءُ خَفَّ مَعَ الجَنُوبِ جَهَامُهَا
25
أَوْ مُلْمِعٌ وَسَقَتْ لأَحْقَبَ لاَحَهُ
طَرْدُ الفُحُولِ وَضَرْبُهَا وَكِدَامُهَا
26
يَعْلُو بِهَا حَدَبَ الإِكَامِ مُسَحَّجٌ
قَدْ رَابَهُ عِصْيَانُهَا وَوِحَامُـهَا
27
بِأَحِزَّةِ الثَّلَبُوتِ يَرْبَأُ فَوْقَـهَا
قَفْرَ المَرَاقِبِ خَوْفُهَا آرَامُهَا
28
حَتَّى إِذَا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّةً
جَزْءاً فَطَالَ صِيَامُهُ وَصِيَامُهَا
29
رَجَعَا بِأَمْرِهِمَا إِلىَ ذِي مِرَّةٍ
حَصِدٍ وَنُجْحُ صَرِيْمَةٍ إِبْرَامـُهَا
30
وَرَمَى دَوَابِرَهَا السَّفَا وَتَهَيَّجَتْ
رِيْحُ المَصَايِفِ سَوْمُهَا وَسِهَامُهَا
31
فَتَنَازَعَا سَبِطَاً يَطِيْرُ ظِلالُـهُ
كَدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا
32
مَشْمُولَةٍ غُلِثَتْ بِنَابتِ عَرْفَجٍ
كَدُخَانِ نَارٍ سَاطِعٍ أَسْنَامُـهَا
33
فَمَضَى وَقَدَّمَهَا وَكَانَتْ عَادَةً
مِنْهُ إِذَا هِيَ عَرَّدَتْ إِقْدَامُـهَا
34
فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا
مَسْجُـورَةً مُتَجَاوِرَاً قُلاَّمُهَا
35
مَحْفُوفَةً وَسْطَ اليَرَاعِ يُظِلُّهَا
مِنْهُ مُصَرَّعُ غَابَـةٍ وَقِيَامُـهَا
36
أَفَتِلْكَ أَمْ وَحْشِيَّةٌ مَسْبُوعَةٌ
خَذَلَتْ وَهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوَامُهَا
37
خَنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الفَرِيرَ فَلَمْ يَرِمْ
عُرْضَ الشَّقَائِقِ طَوْفُهَا وَبُغَامُهَا
38
لِمعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَـازَعَ شِلْـوَهُ
غُبْسٌ كَوَاسِبُ لا يُمَنَّ طَعَامُهَا
39
صَادَفْنَ منهَا غِـرَّةً فَأَصَبْنَهَا
إِنَّ الْمَنَايَا لاَ تَطِيشُ سِهَامُهَا
40
بَاَتتْ وَأَسْبَلَ وَاكِفٌ من دِيـمَةٍ
يُرْوِي الْخَمَائِلَ دَائِمَاً تَسْجَامُها
41
يَعْلُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَوَاتِـرٌ
فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُـومَ غَمَامُهَا
42
تَجَتَافُ أَصْلاً قَالِصَاً مُتَنَبِّـذَاً
بعُجُوبِ أَنْقَاءٍ يَمِيلُ هُيَامُـهَا
43
وَتُضِيءُ في وَجْهِ الظَّلامِ مُنِيرَةً
كَجُمَانَةِ الْبَحْرِيِّ سُلَّ نِظَامُهَا
44
حَتَّى إِذَا انْحَسَرَ الظَّلامُ وَأَسْفَرَتْ
بَكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أَزْلاَمُهَا
45
عَلِهَتْ تَرَدَّدُ في نِهَاءِ صُعَائِدٍ
سَبْعَاً تُؤَامَاً كَامِـلاً أَيَّامُهَا
46
حَتَّى إِذَا يَئِسَتْ وَأَسْحَقَ خَالِقٌ
لَمْ يُبْلِـهِ إِرْضَاعُهَا وَفِطَامُـهَا
47
فَتَوَجَّسَتْ رِزَّ الأَنِيسِ فَرَاعَهَا
عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ وَالأَنِيسُ سُقَامُهَا
48
فَغَدَتْ كِلاَ الْفَرْجَيْنِ تَحْسِبُ أَنَّهُ
مَوْلَى الْمَخَافَةِ خَلْفُهَا وَأَمَامُهَا
49
حَتَّى إِذَا يَئِسَ الرُّمَاةُ وَأَرْسَلُوا
غُضْفَاً دَوَاجِنَ قَافِلاً أَعْصَامُهَا
50
فَلَحِقْنَ وَاعْتَكَرَتْ لَهَا مَدْرِيَّـةٌ
كَالسَّمْهَرِيَّةِ حَدُّهَا وَتَمَامُـهَا
51
لِتَذُودَهُنَّ وَأَيْقَنَتْ إِنْ لَمْ تَذُدْ
أَنْ قَدْ أَحَمَّ مِنَ الحُتُوفِ حِمَامُهَا
52
فَتَقصَّدَتْ مِنْهَا كَسَابِ فَضُرِّجَتْ
بِدَمٍ وَغُودِرَ في الْمَكَرِّ سُخَامُهَا
53
فَبِتِلْكَ إِذْ رَقَصَ اللَّوَامِعُ بِالضُّحَى
وَاجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرَابِ إِكَامُهَا
55
أَقْضِي اللُّبَانَةَ لا أُفَـرِّطُ رِيبَـةً
أَوْ أَنْ يَلُومَ بِحَاجَةٍ لَوَّامُـهَا
56
أَوَ لَمْ تَكُنْ تَدْرِي نَوَارُ بِأنَّنِي
وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُهَا
57
تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أَرْضَـهَا
أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا
58
بَلْ أَنْتِ لا تَدْرِينَ كَمْ مِن لَيْلَةٍ
طَلْقٍ لَذِيذٍ لَهْوُهَا وَنِدَامُـهَا
59
قَدْ بِتُّ سَامِرَهَا وَغَايَةَ تَاجِرٍ
وَافَيْتُ إِذْ رُفِعَتْ وَعَزَّ مُدَامُهَا
60
أُغْلِي السِّبَاءَ بكُلِّ أَدْكَنَ عَاتِقٍ
أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وَفُضَّ خِتَامُهَا
61
بِصَبُوحِ صَافِيَةٍ وَجَذْبٍ كَرِينَةٍ
بِمُوَتَّـرٍ تَأْتَالُـهُ إِبْهَامُـهَا
62
بَادَرْتُ حَاجَتَها الدَّجَاجَ بِسُحْرَةٍ
لأَعُلَّ مِنْهَا حِينَ هَبَّ نِيَامُهَا
63
وَغَدَاةَ رِيحٍ قَدْ وَزَعْتُ وَقِرَّةٍ
قَدْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا
64
وَلَقَدْ حَمَيْتُ الحَيَّ تَحْمِلُ شِكَّتِي
فُرْطٌ وِشَاحِي إِذْ غَدَوْتُ لِجَامُهَا
65
فَعَلَوْتُ مُرْتَقَبَاً عَلَى ذِي هَبْوَةٍ
حَرِجٍ إِلَى أَعْلاَمِهِنَّ قَتَامُهَا
66
حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدَاً في كَافِرٍ
وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلامُهَا
67
أَسْهَلْتُ وَانْتَصَبَت كَجِذْعِ مُنِيفَةٍ
جَرْدَاءَ يَحْصَرُ دُونَهَا جُرَّامُهَا
78
رَفَّعْتُهَا طَرْدَ النّعَـامِ وَشَلَّـهُ
حَتَّى إِذَا سَخِنَتْ وَخَفَّ عِظَامُهَا
69
قَلِقَتْ رِحَالَتُها وَأَسْبَلَ نَحْرُهَا
وَابْتَلَّ مِن زَبَدِ الحَمِيمِ حِزَامُهَا
70
تَرْقَى وَتَطْعَنُ في الْعِنَانِ وَتَنْتَحِي
وِرْدَ الْحَمَامَةِ إِذْ أَجَدَّ حَمَامُهَا
71
وَكَثِيرَةٍ غُرَبَاؤُهَـا مَجْهُولَـةٍ
تُرْجَى نَوَافِلُهَا وَيُخْشَى ذَامُهَا
72
غُلْبٍ تَشَذَّرُ بِالذُّخُولِ كَأَنَّهَا
جِنُّ الْبَدِيِّ رَوَاسِيَاً أَقْدَامُـهَا
73
أَنْكَرْتُ بَاطِلَهَا وَبُؤْتُ بِحَقِّهَا
عِنْدِي وَلَمْ يَفْخَرْ عَلَيَّ كِرَامُهَا
74
وَجَزُورِ أَيْسَارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِهَا
بِمَغَالِقٍ مُتَشَابِـهٍ أَجْسَامُـهَا
75
أَدْعُو بِهِنَّ لِعَاقِرٍ أَوْ مُطْفِـلٍ
بُذِلَتْ لِجِيرَانِ الجَمِيعِ لِحَامُهَا
76
فَالضَّيْفُ وَالجَارُ الَجَنِيبُ كَأَنَّمَا
هَبَطَا تَبَالَةَ مُخْصِبَاً أَهْضَامُهَا
77
تأوِي إِلى الأَطْنَابِ كُلُّ رَذِيَّـةٍ
مِثْلِ الْبَلِيَّةِ قَالِـصٍ أَهْدَامُـهَا
78
وَيُكَلِّلُونَ إِذَا الرِّيَاحُ تَنَاوَحَتْ
خُلُجَاً تُمَدُّ شَوَارِعَاً أَيْتَامُـهَا
79
إِنَّا إِذَا الْتَقَتِ الْمَجَامِعُ لَمْ يَزَلْ
مِنَّا لِزَازُ عَظِيمَـةٍ جَشَّامُـهَا
80
وَمُقَسِّمٌ يُعْطِي الْعَشِيرَةَ حَقَّهَا
وَمُغَذْمِرٌ لِحُقُوقِـهَا هَضَّامُـهَا
81
فَضْلاً وَذُو كَرَمٍ يُعِينُ عَلَى النَّدَى
سَمْحٌ كَسُوبُ رَغَائِبٍ غَنَّامُهَا
82
مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ
وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّـةٌ وَإِمَامُـهَا
83
لاَ يَطْبَعُونَ وَلاَ يَبُورُ فِعَالُهُمْ
إِذْ لا يَمِيلُ مَعَ الْهَوَى أَحْلامُهَا
84
فَاقْنَعْ بِمَا قَسَمَ الْمَلِيكُ فَإِنَّمَا
قَسَمَ الْخَلائِقَ بَيْنَنَا عَلاَّمُـهَا
85
وَإِذَا الأَمَانَةُ قُسِّمَتْ في مَعْشَرٍ
أَوْفَى بِأَوْفَرِ حَظِّنَا قَسَّامُـهَا
86
فَبَنَى لَنَا بَيْتَاً رَفِيعَاً سَمْكُـهُ
فَسَمَا إِلَيْهِ كَهْلُهَا وَغُلامُهَا
87
وَهُمُ السُّعَاةُ إذَا الْعَشِيرَةُ أُفْظِعَتْ
وَهُمُ فَوَارِسُهَا وَهُمْ حُكَّامُهَا
88
وَهُمُ رَبِيعٌ لِلْمُجَـاوِرِ فِيهِمُ
وَالْمُرْمِلاتِ إِذَا تَطَاوَلَ عَامُهَا
89
وَهُمُ الْعَشِيرَةُ أَنْ يُبَطِّىءَ حَاسِدٌ
أَوْ أَنْ يَمِيلَ مَعَ الْعَدُوِّ لِئَامُهَا
عن موقع خيمة